تسللت أشعة الشمس بهدوء عبر نافذة غرفته و أخذت تتراقص معلنة بدء يوم جديد مختلف عن باقي الأيام ، يوم أشبه بأيام العيد بهجة و لربما أكثر بقليل ، داعبت أشعتها ملامح وجهه فاستيقظ يتمطى ليبعد عنه الكسل و مستبشرا فهب من فراشه مبتسما سعيدا كي يستعد لفتح أول صفحة في حياته الجديدة لدخول قفص الزواج السعيد حدث طالما منى نفسه به وتاقت نفسه لحدوثه ، فاليوم سيذهب لخطبة الفتاة التي اختارها قلبه و عقله لتكون شريكة حياته ، دعا الله أن يتم هذا الأمر على خير و أن تكتمل فرحته بموافقتها .
ابتدأ يومه و هو يترقب متى يحين الموعد المنتظر يراقب الساعة من حين إلى آخر كأنه يحثها على اسراع عقاربها ، ارتدى افخم ثيابه و أجملها طقم أسود من أرماني وقميص أبيض مع ربطة عنق لونها يتدرج بين الأزرق والرمادي ، ثبت وردة حمراء في عروة سترته و رش القليل من عطره المفضل من خشب الصندل على راحتي يديه ومررهما على وجنتيه عطر لاكوست الذي يسحر الأفئدة بعبيره الرائع و الأخاذ ويجعلك تحبس أنفاسك كي تعب منه أكبر قدر و تملأ رئتيك من سحره ، فبدا شابا وسيما بملامحه الرجولية و لحيته التي زادت من وسامته بقدر كبير .
وصلوا بيت الحبيبة فتسارعت دقات قلبه فرحا و علت وجهه ابتسامة حاول أن يواريها فلم يفلح في ذالك .
دخل "آدم" رفقة أهله حاملين بأيديهم هدايا كعربون محبة لأهل العروس وباقة مميزة من أجمل الورود ملفوفة بثوب من التول الأبيض كان أهل شهد في استقبالهم و مبتسمين أدخلوهم غرفة الصالون كان أثاثها لايخلوا من الذوق الرفيع جلسوا بإنتظار "شهد" فأطلت بعد دقائق تحمل صينية القهوة مقتربة من آدم تحثه على أخذ فنجان القهوة التي أصرت والدتها على أن تعدها بنفسها لعريسها كما هي العادة و التقاليد ، بدت ساعات طوال بالنسبة لآدم ، لكن ما إن أطلت بفستانها البنفسجي الطويل و الأنيق من المخمل تمشي على استحياء كملكة متوجة تاجها حجابها المصنوع من الشيفون ذو خامة رقيقة كملمس الحرير بلون بنفسجي فاتح اعتلى رأسها و غطى شعرها فزادها جمالا وبهاء ، و أكسبها غموضا ساحرا و لأن لكل امرء من إسمه نصيب كانت شهد إسما على مسمى حلوة كالشهد و كلامها عذب كالعسل ، حتى نبرة صوتها كأنها همسة موسيقية عذبة الألحان .
التقت العيون فتراقصت القلوب طربا لتلاقيها و تعانقت النظرات المليئة بالشغف فتعالى عزف النبضات و تسارعت نشوة و سعادة ، فأطرقت رأسها خجلا بينما لاحت ابتسامة على ثغرها جعلته يشيح ببصره عنها لكن بقي إحساسه بها عاليا جدا كمس كهربائي .
جلسوا جميعا يتبادلون أطراف الحديث إلى أن قرر الأهل أن يتركوا العروسين ليجلسوا و يتحادثوا معا تاركين برفقتهم أخو شهد الأصغر كرقيب ، خيم الصمت على الأجواء في البداية لكن سرعان ما قاطعه آدم قائلا :
_ الحمد لله ، ستكلل قصة حبنا بالزواج أخيرا يا شهد ، و قريبا جدا سنزين أيادينا بخاتم سيكون بمثابة رمز لحبنا الذي اتخذ مساره الصحيح بفضل الله .
علت وجهها علامات الحياء و ارتسمت على شفتيها ابتسامة رقيقة بينما تنحنح أخوها عماد فقالت بصوت عذب :
_ الحمد لله يا آدم أن الرجال إذا وعدت وفت ، و هل هناك أفضل من الزواج ليكون نهاية لقصة حبنا؟!
ابتسم و رد بثقة : لن يكون زواجنا النهاية لقصة حبنا بل البداية ، بداية جميلة ، و سنكمل معا الى آخر العمر إن شاء الله
ردت بخفوت :** إن شاء الله
تطلعت إليه بنظرات محملة بالتوق و قالت :
_وهل تعدني أن تحبني إلى آخر العمر ؟!
و بابتسامته الهادئة رد قائلا : بالطبع أعدك .
تابعت شهد تقول : و هل ستكون لي خير حبيب؟
فأجابها وقد تألقت ابتسامته أكثر و رد بلهجة فيها من المداعبة و الصدق الكثير :
- و أي حبيب تريدينني أن أكون ؟ وما هو الحب في نظرك؟
_أريدك أن تكون لي سندا فلا أشعر بوجودك بالضعف أبدا ، و صديقا يرتاح قلبي بالبوح لك بمكنوناته ، و رفيقا تحلو الأيام المريرة بوجودك فتهون الصعاب بقربك ، و ملاذً آمنا لا أفكر بالهرب لغيره إن أتعبتني الحياة و ضاقت بي السبل لأفرغ ما أثقل كاهلي و أتعب حملي فتكون لي العزاء و لجروحي الدواء و لآلامي الشفاء .
قاطعها قائلا : سأكون لك بمثابة الأب في السند و الأخ في العزوة و الحماية ، و بمثابة الأم في الحنان و الملجأ من الخوف و صديقا في الإنصات لك و إسعادك وحبيبا في حبك دون قيد أو شرط و رؤية العالم بأسره من خلال إبتسامتك الوضاءة . تلونت وجنتيها بلون الغسق من أثر الخجل و سكنت قلبها فرحة غمرها بالطمأنينة و السعادة فاشاحت بوجهها عنه و أطلقت سراح ابتسامة قد صعب عليها تقييدها ، ثم بشقاوة طفولية تعمدت أن تبدو و كأنها لم تسمع ما قال و أكملت متجاهلة حديثه قائلة :
أما الحب عندي فهو اهتمام و أفعال ، ليس مجرد أقوال تنشد غزلا أو كلاما منمقا تسعى من خلاله جلب الاهتمام لن أخفيك أن قصيدة غزل تنشدها لي ستسعدني لكن إن غمرتني بالاهتمام سأتأكد حينها أنك تحبني .
و تابعت بسلاسة دون أن يقاطعها بل ينصت بإهتمام :
_ سؤالي عن ما إذا أخذت الدواء حين أكون مريضة ، و سؤالك إن أكلت جيدا أو حظيت براحة كافية ، و معرفتك أي الكتب أحب و أي الكتّاب أفضل ، هذه التفاصيل الصغيرة إن اهتممت بها ستثبت لي حينها أنك حقا تحبني و هذا هو الحب الحقيقي .
فالكلام يُقال وليس بالضرورة أن ينفذ ولكن أصدق الكلام هو الذي يترجم إلى أفعال ، اعلم يا آدم أن الأفعال هي كلمات صامتة يسمعها القلب فتدخله دون استئذان فتوطد أواصر الحب فيه وتحييه ، هذا هو الحب بالنسبة لي يا آدم .
ابتسم طويلا ينظر إليها و ملامحه تهتف بالموافقة على كل كلمة نطقت بها .
فتحنحنت هي و أضافت :
_ و ماذا عنك؟ ما الحب في نظرك؟
قال : الحب هو دعوتي لله في كل صلاة ان تكوني من نصيبي و دعواتي أن يحفظك لي و يبقيك سعيدة هانئة و يجمعنا معا بالحلال .
أشرق وجهها بابتسام و نظرت إليه بعيون التمعت بعبرات السعادة فأكمل :
_ الحب بالنسبة لي هو أن نتقاسم سويا المرة قبل الحلوة و نكون معا في الضراء قبل السراء ، قد نتشاجر نعم لكننا لن نتهاجر لن أقبل يوما أن تنامي و أنت حزينة بسببي ، فالقلوب تتأذى بذلك و أنا أريد أن أكون حريصا على قلبي❤
(قالها وهو ينظر لها مبتسما فهو يقصد أنها قلبه )
بادرته بابتسامة خجولة فأكمل قائلا : و الاحترام هو جوهر كل العلاقات فلا يمكن أن يكون هناك صداقة ، رفقة ، زمالة أو حب دون احترام ، فهو روح كل الروابط البشرية فإن انتزعت هذه الروح تفككت أمتن الروابط و تكسرت أعتى الأواصر و مات كل شيء ، أنا لا أريد حبا أعمى يختفي حين يُبصر ، أريد أن يرى كل منا عيوب الآخر و نعمل على إصلاحها معا و نحب و نتقبل ما لا نقدر على تغيره بأنفسنا .
الحب أن أرى أحلامك هي أحلامنا ، أهدافك هي أهدافنا ، سعادتك هي سعادتي وغايتي ، أنا أحبك لعقلك ، لتفكيرك ، أحبك لأنك أنت...لأنك بنظري لا تشبهين أحد ، ليس فقط لأنك جميلة ، بل لأنك بالنسبة لي مختلفة و نادرة كواحة وسط صحراء جرداء أو كجوهرة نادرة وسط كومة قش أو وردة لا شبيه لها في جمالها وشذى عبيرها أشمها فأسكر من عذوبتها هكذا أراك !
غمرت قلبها مشاعر الفرح و السعادة و حاولت السيطرة على ارتعاشة يديها و الغبطة التي نالت منها بكلماته المفعمة بمشاعر الحب الجياشة فعبرت إلى روحها بسهولة و يسر و ملأت فؤادها قبل سمعها ، لمست حواف قلبها وداعبت أحاسيسه برقة متناهية ، فلم تستطع هذه المرة إلا التعبير عنها بإبتسامة متلألئة زينت صفحة القمر ، فرد لها الإبتسامة النابعة من القلب موقعيين معاهدة الحب بينهما بمداد الحب وبختم من شمع أحمر قاني عليه أولى أحرفهما .
إنتهى حديثهما فور حضور الأهل و اتفقوا على موعد الخطبة التي تمت وسط جوّ عائلي يسوده الفرح و السعادة ، ألبسها خاتما من السوليتير بفص أزرق كلون عينيها يماثل حبهما الوليد جمالا ويشابه قلبها بساطة و أناقة ، و ألبسته خاتما من الفضة كان قد نقش حرفا الألف و الشين ، تعالت الزغاريد معلنة حياة جديدة شعارها الحب الصادق تليا عهودهما في صمت لكن عيونهنا قالت عنهما ما لم تقله الكلمات .
كنانة ناصر الدين / سوريا
1 تعليقات
قصة رائعة ❤
ردحذف